الطعن رقم 19 لسنة 7 ق جلسة 1 / 7 / 2012 رقم 17
برئاسة السيد القاضي / يحيى جلال فضل رئيس المحكمة وعضوية القاضيين / محمد ناجي دربالة و حسن يوسف بوالروغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ 1 } قانون " تفسيره " . مواد مخدرة . جلب . عقوبة .
مفاد نص المادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بشأن تعريف المصطلحات الواردة بها ؟
المقصود بجلب المخدر . إدخال أو إحضار المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة من خارجه .
وقوف الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون مكافحة المخدرات عند تحريم الجلب والاستيراد والفصل والإنتاج والحيازة والإحراز والتعاطى دون تحديد العقوبة .
تعدد عقوبات الجلب بحسب قصد مرتكبه . تأصيل وتفصيل ذلك ؟
{ 2 } مواد مخدرة . قصد جنائى . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . عقوبة " تطبيقها " .
على المحكمة الوقوف على قصد الجانى من جلب المخدر توصلاً لتحديد العقوبة التى فرضها القانون لذلك الفعل .
استخلاص القصد من جلب المخدر . موضوعى . شرط ذلك ؟
{ 3 } دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما يوفره " . جلب . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .
دفاع الطاعن بجلب المؤثرات العقلية بقصد التعاطى والاستعمال الشخصى . جوهرى . إغفال الحكم إيراده والرد عليه . يعيبه .
إدانة الطاعن بحسبان فعل الجلب بمجرده جريمة منبتة الصلة بالقصد دون الاعتداد بقصد الطاعن . خطأ في تطبيق القانون وتأويله . علة وأثر ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية قد نصت على أنه "يكون للكلمات والعبارات التالية و المعاني المبينة قرين كل منها ما لم يقصد سياق النص بغير ذلك . المواد المخدرة : كل مادة طبيعية أو تركيبة من المواد المدرجة في الجداول أرقام 1 ، 2 ، 3 ، 4 المرفقة بهذا القانون . المؤثرات العقلية : كل مادة طبيعية أو تركيبة من المواد المدرجة في الجداول أرقام 5، 6 ، 7 ، 8 المرفقة بهذا القانون . الاستيراد : إدخال المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة ، التــــصدير: إخراج المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من إقليم الدولة . الجلـب : إحضار المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من خارج إقليم الدولة ، وكانت الفقرة الأولى من المادة السادسة من ذات القانون قد جرى نصها على أنه " يــُحظر جلب واستيراد وتصدير وصنع واستخراج وفصل وإنتاج وحيازة وإحراز وتعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المبينة في الجداول أرقام 1 ، 2 ، 4 ، 5 وسائر أوجه النشاط والتصرفات الأخرى المتعلقة بها " ، وكان نص المادة السابعة من ذات القانون قد جرت بذات الصياغة التي تناولتها المادة سالفة البيان دون أن تضيف إليها سوى عبارة " إلا في الأحوال المرخص بها و بالشروط المنصوص عليها في هذا الباب " بالإضافة إلى أنها صرفت حكمها إلى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المنصوص عليها في الجداول أرقام 6، 7 ، 8 ، وكان المقصود بالجلب في حكم ذلك القانون هو إدخال أو إحضار ــــ وهما التعبيران اللذان استخدمهما المشرع في تعريف الاستيراد والجلب ــــ المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة من خارجه وذلك بالذات أو الواسطة متى طرق الجالب أو المستورد بفعله حدود ذلك الإقليم ، فكل واقعة يتحقق بها النقل المادي وهو التعبير الذي استخدمته الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 م بنصها المعدل بروتوكول سنة 1972 م واتفاقية المؤثرات العقلية للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو إدخاله أو إحضاره إلى المجال الخاضع لاختصاص دولة الإمارات العربية المتحدة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها أو استيرادها المنصوص عليها في القانون تعتبر جلباً ، وكانت الفقرة الأولى من المادة السادسة سالفة البيان قد وقفت عند تحريم عموم وجوه الجلب والاستيراد و التصدير والصنع والاستخراج و الفصل و الإنتاج والحيازة والإحراز والتعاطي دون أن تحدد العقوبة المقررة لمن ينتهك هذا التحريم ، وكانت تلك الأفعال ــــ ومن بينها الجلب ــــ ذات وجوه عدة تتعدد بحسب قصد مرتكبها وقد أعتد القانون بذلك القصد وجعل العقوبة مرتبطة به وانتظمت أحكامه تلك القصود و رتبت لكل منها عقوبة تتناسب وقدر جسامة ذلك القصد ، فنعى على معاقبة الجالب أو المستورد أو المصدر أو الصانع أو المستخرج أو الفاصل أو المنتج أو الحائز أو المحرز للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بالإعدام إذا ارتكبت الجريمة بقصد الاتجار أو الترويج وفق ما ورد بالمادة 48 من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والتي جرى نصها على أنه " مع عدم الإخلال بحكم المادة 39 يعاقب على مخالفة أحكام المواد 6 ( فقرة أولى ) و 35 و 36 بالسجن مدة لا تقل عن عشرة سنوات ولا تزيد على خمسة عشرة سنة بالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم ولا تزيد على مائتي ألف درهم وإذا ارتكبت الجريمة بقصد الاتجار أو الترويج كانت العقوبة الإعدام " ولا فرق في ذلك بين من جلبها من الخارج ، أو من حصل عليها داخل إقليم الدولة ثم أجرى عليها أحد الأفعال التي عددتها الفقرة الأولى من المادة السادسة ( أو ما عددته المادتين 35 ، 36 ) ، كما خص القانون مرتكب أي من تلك الأفعال بقصد التعاطي بعقوبة السجن لمدة لا تقل عن أربع سنوات والغرامة ــــ إذا رأت المحكمة توقيعها ــــ التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم ( المادة 39 / 1، 2 من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 ) وهي عقوبة أدنى جسامة من عقوبة الإعدام السالف بيانها وذلك بما أورده بصدر المادة 48 منه من الاعتداد بحكم المادة 39 ونصه على إنفاذ حكمها وعدم الإخلال به بما مفاده استثناء تلك الأفعال أن ارتكبت بقصد التعاطي من عموم نص المادة 48 ، ويؤيد هذا النظر بأن نص المادة 39 قد أطلق صفة المتعاطي على " كل من تعاطي بأي وجه أو استعمل شخصياً ..... أية مادة من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية ..... " بما يشمل عموم المتعاطين سواء من أحضر المخدر أو المؤثر العقلي من خارج الدولة أو تحصل عليه من داخلها ذلك أن عبارة بأي وجه كما تنصرف لوسائل التعاطي تنصرف أيضاً إلى وسائل حيازته وطرائق الحصول عليه ، كما أن الجلب الذي عناه المشرع استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاء بالتزام دولي عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة والتي انضمت إليها دولة الإمارات ، زد على ذلك فإن التفرقة بين العقوبة الجسيمة المقررة لارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها بالمواد 6 / 1 ، 35 ، 36 بقصد الترويج أو الاتجار والعقوبة الأخف المقررة لارتكابها بقصد التعاطي يتفق وما نصت عليه الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972 ، واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 9 لسنة 1988 بتاريخ 21 / 1 / 1988 م ــــ وكذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 55 لسنة 1990 بتاريخ 3 / 5 / 1990 م ــــ والاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 22 لسنة 1996 بتاريخ 18 / 3 / 1996 وجميعها غايرت في قدر العقوبة ومدى بساطتها أو تشددها بحسب الفعل المرتكب وما إذا كان مجرد إساءة استعمال للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أم كان فعل أشد من ذلك كالاتجار في المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو بيعها أو ترويجها فتوصى الدولة الموقعة على تلك الاتفاقات في الحالة الأولى أن تعتمد بدلاً من معاقبة مرتكبي تلك الأفعال إلى معالجتهم وتعليمهم والعناية بهم بعد العلاج وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع ، على خلاف الحالة الثانية التي توصي فيها باتخاذ التدابير الوقائية والقمعية الرامية إلى مكافحة الاتجار غير المشروع وفرض العقوبات المناسبة على تلك الجرائم الخطيرة وبخاصةالسجن ( المادتين 21 / 1 ، 22 / 1 ( البندين (أ ) ، ( ب ) من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 71 ــــ والمواد 35 / البند ( أ ) ، 36 / البند ( أ ) ، البند ( ب ) ، 38 من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة ببرتوكول سنة 1972 ــــ المادة 3 / البند ( أ ) ، البند 4 ( أ ) ، ( ب ) ، ( ج ) ، ( د ) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ــــ المادة 2 من الاتفاقية العربية لمكافحة ــــ الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية ) وهو ذات ما أخذ به المشرع بالمادة 42 من القانون والتي جرى نصها على أنه " يجوز للمحكمة في غير حالة العود بدلاً من الحكم بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أن تحكم بإيداع الجاني إحدى وحدات علاج الإدمان ... وذلك بعد أخذ رأي اللجنة المشرفة على العلاج " ، هذا إلى أن منطق العدالة يتأبى على التفرقة في العقوبة بين متماثلين فلا يسوغ العقاب على إحراز أو حيازة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بقصد التعاطي بعقوبة أشد من تعاطي المخدر أو المؤثر العقلي رغم أن الحيازة أو الإحراز لابد وأن يسبق بالضرورة التعاطي ، وعلى الرغم من أن التشريع العقابي برمته قد شُرع في الأساس ــــ حماية لصحة البشر ورفاههم ودرء الأخطار التي تحيق بهم ومحاصرة ظاهرة الإدمان و تضييق نطاق تعاطي تلك المواد ( وفق ما ورد بديباجة الاتفاقات الدولية ) خاصة وأن جلب المواد المخدرة في واقع الأمر لا يعدو وأن يكون حيازة أو إحراز لهذه المواد ، فلا يعقل أن يكون مجرد تجاوز الخط الجمركي بالمخدر هو الذي يـُسبغ على فعل الحيازة أو الإحراز معنى يغير من طبيعته ، وأخيراً فإن هذا النظر وحده هو الذي يفضي إلى الفهم الصحيح لنصوص قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ، كما يفضي إلى رفع أي تعارض بين تلك النصوص بحيث لا يعطل بعضها البعض الآخر . لما كان ذلك ، وكان القانون قد عني بوضع عقوبة مناسبة لمرتكب الأفعال المنصوص عليها بالمواد 6 / 1 ، 35 ، 36 حال أن يأتيها الجاني بقصد غير التعاطي أو الاتجار والترويج ، سواء وقفت المحكمة على هذا القصد على وجه التحديد ، أم غم عليها الأمر و بقي غير محدد فنصت المادة 48 على " معاقبة الجاني في هذه الحالة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد على خمسة عشرة سنة وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم ولا تزيد على مائتي ألف درهم " .
2- يتعين على المحكمة عند نظر الجريمة المؤثمة بالمواد قانون المخدرات ، أن تقف أولاً على قصد الجاني من الفعل المسند إليه لتنفذ إلى كنهه وتستخلص حقيقته على الوجه الذي تطمئن إليه توصلاً إلى تحديد العقوبة التي فرضها القانون لذلك الفعل ، ثم إيقاعها بالتالي على الجاني ، وكان استخلاص القصد من جلب المخدر وإن كان واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها ، إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاص الحكم لتوافر تلك الواقعة أو نفيها سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة و أدلتها وقرائن الأحوال فيها .
3- لما كانت محكمة الموضوع ملزمة ببحث كل دفاع جوهري يثيره المتهم من شأنه أن يغير وجه الرأي في القضية وأن تمحصه وصولاً إلى وجه الحق في الإتهام أو ترد عليه بما ينفيه و بما يقسطه حقه في الرد . لما كان ذلك ، وكان البين من الاطلاع على المفردات أن الطاعن قد تمسك بتحقيقات النيابة العامة ، وأمام محكمتي أول وثاني درجة بأنه قد جلب تلك المؤثرات العقلية بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة جلب المؤثر العقلي المضبوط بحسبان فعل الجلب بمجرده جريمة منبته الصلة بالقصد من وراءه دون أن يعتد بقصد المتهم من وراء ذلك ، رغم أثره البالغ في تحديد الجريمة المسندة للمتهم ومن ثم الوقوف على العقوبة المقررة لها قانوناً ثم الخلوص إلى تقدير العقوبة المناسبة للجرم المسند إليه وفق ما تنتهي المحكمة إلى تقديره ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف الفهم القانوني السديد للنصوص التي تحكم واقعة الاتهام ، ومن ثم يكون معيباً بعيب الخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما لازمه القضاء بنقضه والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـــوقـــائــــــــع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه جلب و حاز بقصد الترويج كمية من المؤثر العقلي الترامادول في غير الأحوال المصرح بها . وطلبت معاقبته طبقاً لأحكام المواد 1 ، 7 ، 49/ 3- من القانون الاتحادي في شأن مكافحة المواد المخدرة و المؤثرات العقلية و الجدول الثامن المرفق به .
و محكمة جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بمعاقبته بالسجن لمدة سبع سنوات و بتغريمه خمسين ألف درهم و أمرت بإبعاده عن الدولة و بمصادرة الأقراص المضبوطة.
استأنف ، و محكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت بقبول الاستئناف شكلاً ، وفي الموضوع بمعاقبة المستأنف بالسجن لمدة سبع سنوات وبتغريمه خمسين ألف درهم ، وأمرت بإبعاده عن الدولة، وبمصادرة الأقراص المضبوطة.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق التمييز ......... إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكــــــــمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه القاضي / محمد ناجي دربالة ، وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة جلب مؤثر عقلي ( الترامادول ) في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه اعتبر قصد المتهم من جلب المؤثر العقلي من خارج الدولة لداخلها غير مؤثر في العقوبة التي حددها القانون لكل قصد من تلك القصود على حين أن المشرع ربط عقوبة الجلب تخفيفاً وتشديداً بالقصد منه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
ومن حيث إنه لما كان الثابت أن النيابة العامة اتهمت ........ بأنه بتاريخ 6/ 8 / 2011 م بدائرة رأس الخيمة : جلب وحاز كمية من المؤثر العقلي ( الترامادول ) في غير الأحوال المرخص بها بقصد الترويج وطلبت عقابه
بالمواد 1 ، 7 ، 49 / 3 من القانون رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والجدول رقم ( 8 ) المرفق به ، ومحكمة أول درجة قضت بجلسة 28 / 12 / 2012 م بمعاقبة المتهم عن التهمة المسندة إليه بالسجن لمدة سبع سنوات وبتغريمه خمسين ألف درهم وبإبعاده عن الدولة وبمصادرة الأقراص المضبوطة ، فاستأنف المحكوم عليه ومحكمة الاستئناف قضت بجلسة 7 / 2 / 2012 م بذات العقوبة عن اتهامه بجلب المؤثر العقلي بغير قصد الترويج وعللت قضاءها بقولها " وأما من حيث العقوبة فإن هذه المحكمة لا تساير النيابة العامة فيما ذهبت إليه بأمر الإحالة من أن الجلب بقصد الترويج ، إذ لم يقم دليل يقيني على ذلك وليس في الأوراق ما يكشف عن هذا القصد ولما كان نص المادة ( 7) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية الاتحادي قد جرم فعل جلب المؤثرات العقلية والمواد الضارة بالعقل على وجه العموم ولم يخص ذلك بقصد معين في تلك المادة وإنما عني بالتشديد وتغليظ العقوبة في حالتي الاتجار والترويج ، ولما كان المتهم المستأنف أتى قادماً من خارج الدولة وجلب معه تلك الكمية المضبوطة معه من مادة ( الترامادول ) فإنه بمجرد دخوله إقليم الدولة تحقق بشأنه وصف جلب المؤثرات العقلية ، وهو الأمر المحظور حظراً مطلقاً بمقتضى نص المادة سالفة الذكر وتعتبر الجريمة تامة ويعاقب مرتكبها بالعقوبة المقررة بنص المادة 49 / 1 من ذات القانون باعتبارها الحد الأدنى لعقوبة جلب المؤثرات العقلية وينظر لفعل الجلب في هذه الحالة مجرداً عن قصد الاتجار أو الترويج قلت الكمية أو كثرت ، الأمر الذي يكون معه قد استقر في يقين المحكمة أن المتهم جلب وأحرز بغير قصد الترويج المؤثر العقلي ( الترامادول ) في غير الأحوال المرخص بها قانوناً ، الأمر المعاقب عليه بالمواد 1 ، 7 ، 49 ، 56 والقانون رقم 14 لسنة 1995 والجدول رقم 8 الملحق به .
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية قد نصت على أنه "يكون للكلمات والعبارات التالية و المعاني المبينة قرين كل منها ما لم يقصد سياق النص بغير ذلك . المواد المخدرة : كل مادة طبيعية أو تركيبة من المواد المدرجة في الجداول أرقام 1 ، 2 ، 3 ، 4 المرفقة بهذا القانون . المؤثرات العقلية : كل مادة طبيعية أو تركيبة من المواد المدرجة في الجداول أرقام 5، 6 ، 7 ، 8 المرفقة بهذا القانون . الاستيراد : إدخال المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة ، التصدير : إخراج المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من إقليم الدولة . الجلـب : إحضار المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من خارج إقليم الدولة ، وكانت الفقرة الأولى من المادة السادسة من ذات القانون قد جرى نصها على أنه " يــُحظر جلب واستيراد وتصدير وصنع واستخراج وفصل وإنتاج وحيازة وإحراز وتعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المبينة في الجداول أرقام 1 ، 2 ، 4 ، 5 وسائر أوجه النشاط والتصرفات الأخرى المتعلقة بها " ، وكان نص المادة السابعة من ذات القانون قد جرت بذات الصياغة التي تناولتها المادة سالفة البيان دون أن تضيف إليها سوى عبارة " إلا في الأحوال المرخص بها و بالشروط المنصوص عليها في هذا الباب " بالإضافة إلى أنها صرفت حكمها إلى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية المنصوص عليها في الجداول أرقام 6، 7 ، 8 ، وكان المقصود بالجلب في حكم ذلك القانون هو إدخال أو إحضار ــــ وهما التعبيران اللذان استخدمهما المشرع في تعريف الاستيراد والجلب ــــ المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى إقليم الدولة من خارجه وذلك بالذات أو الواسطة متى طرق الجالب أو المستورد بفعله حدود ذلك الإقليم ، فكل واقعة يتحقق بها النقل المادي وهو التعبير الذي استخدمته الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 م بنصها المعدل بروتوكول سنة 1972 م واتفاقية المؤثرات العقلية للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو إدخاله أو إحضاره إلى المجال الخاضع لاختصاص دولة الإمارات العربية المتحدة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها أو استيرادها المنصوص عليها في القانون تعتبر جلباً ، وكانت الفقرة الأولى من المادة السادسة سالفة البيان قد وقفت عند تحريم عموم وجوه الجلب والاستيراد و التصدير والصنع والاستخراج و الفصل و الإنتاج والحيازة والإحراز والتعاطي دون أن تحدد العقوبة المقررة لمن ينتهك هذا التحريم ، وكانت تلك الأفعال ــــ ومن بينها الجلب ــــ ذات وجوه عدة تتعدد بحسب قصد مرتكبها وقد أعتد القانون بذلك القصد وجعل العقوبة مرتبطة به وانتظمت أحكامه تلك القصود و رتبت لكل منها عقوبة تتناسب وقدر جسامة ذلك القصد ، فنعى على معاقبة الجالب أو المستورد أو المصدر أو الصانع أو المستخرج أو الفاصل أو المنتج أو الحائز أو المحرز للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بالإعدام إذا ارتكبت الجريمة بقصد الاتجار أو الترويج وفق ما ورد بالمادة 48 من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 في شأن مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والتي جرى نصها على أنه " مع عدم الإخلال بحكم المادة 39 يعاقب على مخالفة أحكام المواد 6 ( فقرة أولى ) و 35 و 36 بالسجن مدة لا تقل عن عشرة سنوات ولا تزيد على خمسة عشرة سنة بالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم ولا تزيد على مائتي ألف درهم وإذا ارتكبت الجريمة بقصد الاتجار أو الترويج كانت العقوبة الإعدام " ولا فرق في ذلك بين من جلبها من الخارج ، أو من حصل عليها داخل إقليم الدولة ثم أجرى عليها أحد الأفعال التي عددتها الفقرة الأولى من المادة السادسة ( أو ما عددته المادتين 35 ، 36 ) ، كما خص القانون مرتكب أي من تلك الأفعال بقصد التعاطي بعقوبة السجن لمدة لا تقل عن أربع سنوات والغرامة ــــ إذا رأت المحكمة توقيعها ــــ التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم ( المادة 39 / 1، 2 من القانون الاتحادي رقم 14 لسنة 1995 ) وهي عقوبة أدنى جسامة من عقوبة الإعدام السالف بيانها وذلك بما أورده بصدر المادة 48 منه من الاعتداد بحكم المادة 39 ونصه على إنفاذ حكمها وعدم الإخلال به بما مفاده استثناء تلك الأفعال أن ارتكبت بقصد التعاطي من عموم نص المادة 48 ، ويؤيد هذا النظر بأن نص المادة 39 قد أطلق صفة المتعاطي على " كل من تعاطي بأي وجه أو استعمل شخصياً .... أية مادة من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية ..... " بما يشمل عموم المتعاطين سواء من أحضر المخدر أو المؤثر العقلي من خارج الدولة أو تحصل عليه من داخلها ذلك أن عبارة بأي وجه كما تنصرف لوسائل التعاطي تنصرف أيضاً إلى وسائل حيازته وطرائق الحصول عليه ، كما أن الجلب الذي عناه المشرع استهدف مواجهة عمليات التجارة الدولية في المواد المخدرة والقضاء على تهريبها وفاء بالتزام دولي عام قننته الاتفاقات الدولية المختلفة والتي انضمت إليها دولة الإمارات ، زد على ذلك فإن التفرقة بين العقوبة الجسيمة المقررة لارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها بالمواد 6 / 1 ، 35 ، 36 بقصد الترويج أو الاتجار والعقوبة الأخف المقررة لارتكابها بقصد التعاطي يتفق وما نصت عليه الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972 ، واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 1971 ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 9 لسنة 1988 بتاريخ 21 / 1 / 1988 م ــــ وكذا اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 55 لسنة 1990 بتاريخ 3/ 5 / 1990 م ــــ والاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية ــــ التي انضمت إليها دولة الإمارات بموجب المرسوم الاتحادي رقم 22 لسنة 1996 بتاريخ 18 / 3 / 1996 وجميعها غايرت في قدر العقوبة ومدى بساطتها أو تشددها بحسب الفعل المرتكب وما إذا كان مجرد إساءة استعمال للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أم كان فعل أشد من ذلك كالاتجار في المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو بيعها أو ترويجها فتوصى الدولة الموقعة على تلك الاتفاقات في الحالة الأولى أن تعتمد بدلاً من معاقبة مرتكبي تلك الأفعال إلى معالجتهم وتعليمهم والعناية بهم بعد العلاج وإعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع ، على خلاف الحالة الثانية التي توصي فيها باتخاذ التدابير الوقائية والقمعية الرامية إلى مكافحة الاتجار غير المشروع وفرض العقوبات المناسبة على تلك الجرائم الخطيرة وبخاصةالسجن ( المادتين 21 / 1 ، 22 / 1 ( البندين (أ ) ، ( ب ) من اتفاقية المؤثرات العقلية لسنة 71 ــــ والمواد 35 / البند ( أ ) ، 36 / البند ( أ ) ، البند ( ب ) ، 38 من الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 بصيغتها المعدلة ببرتوكول سنة 1972 ــــ المادة 3 / البند ( أ ) ، البند 4 ( أ ) ، ( ب ) ، ( ج ) ، ( د ) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية ــــ المادة 2 من الاتفاقية العربية لمكافحة ــــ الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية ) وهو ذات ما أخذ به المشرع بالمادة 42 من القانون والتي جرى نصها على أنه " يجوز للمحكمة في غير حالة العود بدلاً من الحكم بالعقوبات المنصوص عليها في هذا القانون أن تحكم بإيداع الجاني إحدى وحدات علاج الإدمان ... وذلك بعد أخذ رأي اللجنة المشرفة على العلاج " ، هذا إلى أن منطق العدالة يتأبى على التفرقة في العقوبة بين متماثلين فلا يسوغ العقاب على إحراز أو حيازة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية بقصد التعاطي بعقوبة أشد من تعاطي المخدر أو المؤثر العقلي رغم أن الحيازة أو الإحراز لابد وأن يسبق بالضرورة التعاطي ، وعلى الرغم من أن التشريع العقابي برمته قد شُرع في الأساس ــــ حماية لصحة البشر و رفاههم و درء الأخطار التي تحيق بهم ومحاصرة ظاهرة الإدمان وتضييق نطاق تعاطي تلك المواد ( وفق ما ورد بديباجة الاتفاقات الدولية ) خاصة وأن جلب المواد المخدرة في واقع الأمر لا يعدو وأن يكون حيازة أو إحراز لهذه المواد ، فلا يعقل أن يكون مجرد تجاوز الخط الجمركي بالمخدر هو الذي يـُسبغ على فعل الحيازة أو الإحراز معنى يغير من طبيعته ، وأخيراً فإن هذا النظر وحده هو الذي يفضي إلى الفهم الصحيح لنصوص قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية ، كما يفضي إلى رفع أي تعارض بين تلك النصوص بحيث لا يعطل بعضها البعض الآخر . لما كان ذلك ، وكان القانون قد عني بوضع عقوبة مناسبة لمرتكب الأفعال المنصوص عليها بالمواد 6 / 1 ، 35 ، 36 حال أن يأتيها الجاني بقصد غير التعاطي أو الاتجار والترويج ، سواء وقفت المحكمة على هذا القصد على وجه التحديد ، أم غم عليها الأمر و بقي غير محدد فنصت المادة 48 على " معاقبة الجاني في هذه الحالة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد على خمسة عشرة سنة وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم ولا تزيد على مائتي ألف درهم " ، وكان مقتضي ما تقدم ، أنه يتعين على المحكمة عند نظر الجريمة المؤثمة بالمواد آنفة البيان ، أن تقف أولاً على قصد الجاني من الفعل المسند إليه لتنفذ إلى كنهه وتستخلص حقيقته على الوجه الذي تطمئن إليه توصلاً إلى تحديد العقوبة التي فرضها القانون لذلك الفعل ، ثم إيقاعها بالتالي على الجاني ، وكان استخلاص القصد من جلب المخدر وإن كان واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها ، إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاص الحكم لتوافر تلك الواقعة أو نفيها سائغاً تؤدي إليه ظروف الواقعة و أدلتها وقرائن الأحوال فيها . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع ملزمة ببحث كل دفاع جوهري يثيره المتهم من شأنه أن يغير وجه الرأي في القضية وأن تمحصه وصولاً إلى وجه الحق في الإتهام أو ترد عليه بما ينفيه و بما يقسطه حقه في الرد . لما كان ذلك ، وكان البين من الاطلاع على المفردات أن الطاعن قد تمسك بتحقيقات النيابة العامة ، وأمام محكمتي أول وثاني درجة بأنه قد جلب تلك المؤثرات العقلية بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي ، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى إدانة الطاعن بجريمة جلب المؤثر العقلي المضبوط بحسبان فعل الجلب بمجرده جريمة منبته الصلة بالقصد من وراءه دون أن يعتد بقصد المتهم من وراء ذلك ، رغم أثره البالغ في تحديد الجريمة المسندة للمتهم ومن ثم الوقوف على العقوبة المقررة لها قانوناً ثم الخلوص إلى تقدير العقوبة المناسبة للجرم المسند إليه وفق ما تنتهي المحكمة إلى تقديره ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف الفهم القانوني السديد للنصوص التي تحكم واقعة الاتهام ، ومن ثم يكون معيباً بعيب الخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما لازمه القضاء بنقضه والإعادة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ