الحكم الصادر باسم صاحب السمو الشيخ / سعود بن صقر بن محمد القاسمي

  حــــــاكم إمـــــــــــارة رأس الخيمـــــــــــــــــة

 

-------------------------

محكمـــــــة تمييـــــــز رأس الخيمـــــــــة

الدائــــــــرة الجزائيــــــــــــة

 

المؤلفة برئاسة السيد القاضى /  عـــــــلاء مــــدكـــور                        رئيس الدائرة
وعضــــــوية الســـــيدين القاضـــيين/ عــــــبدالناصـــر الـــزناتي  و أحمد الشربيني 
وحضــــور رئيس النيابــــــة العامـــــــة الســـــيد / أسامة عـــــبد المعـــز
وأمين السر السيد / سعد طلبه                                                         

في الجلســـــة العلنية المنعقـــــدة بمقـــر المحكمـــــة بــــدار القضـــــاء بــإمــارة رأس الخيمـــة
في يوم 12 من رجب سنة 1437 هـ الموافق 19 من إبريل سنة 2016 م
في الطعـن المقيـــد فـي جــدول المحكمــة بـرقـم    20 لسنـــة   11 ق 2016 جـزائي

 

المرفوع من /

الطاعنة / النيابة العامة   

ضــــــد

المطعون ضده / ….

   

الوقائـــــــــــــــــــــــع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 8 من إبريل سنة 2012 بدائرة رأس الخيمة حال كونه أجنبي دخل البلاد على كفالة آخر ترك العمل لدى كفيله ولم يقوم بتسوية وضعه القانوني على النحو الثابت بالأوراق. وطلبت عقابه بالمادتين 1 ،35 من القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 1973 في شأن دخول وإقامة الأجانب المعدل بالقانون رقم 13 لسنة 1996 والمرسوم بقانون رقم 7 لسنة 2007 والمواد 1،2،5 من القرار الوزاري رقم 354 لسنة 1993. ومحكمة جنح رأس الخيمة قضت حضورياً بجلسة 5/8/2015 ببراءة المتهم مما نسب إليه. استأنفت النيابة العامة وقيد استئنافها برقم 652 لسنة 2015، ومحكمة استئناف جنح رأس الخيمة قضت بجلسة 7/10/2015 غيابيا وبإجماع الآراء بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبتغريم المتهم عشرة آلاف درهم. عارض والمحكمة المذكورة قضت بجلسة 30 من ديسمبر سنة 2015 بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 28 من يناير2016


المـحكمــــــة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر / عضو يمين الدائرة وبعد المداولة.

من حيث إنه لما كانت النيابة العامة في مجال المصلحة أو الصفة في الطعن هي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص بمثابتها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون من جهة الدعوى الجنائية، فلها بهذه المثابة أن تطعن في الأحكام وإن لم يكن لها كسلطة اتهام مصلحة خاصة في الطعن بل كانت المصلحة هي للمحكوم عليه، ومن ثم فإن مصلحتها في الطعن الماثل تكون قائمة ولو أن الحكم قد قضى بإدانة المطعون ضده وإذ كان ذلك، وكان هذا الطعن قد استوفى باقي أوجه الشكل المقررة في القانون فإنه يكون مقبولاً شكلاً. ومن حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المطعون ضده بجريمة تركه العمل لدى كفيله دون تسوية إقامته في خلال المهلة القانونية المحددة قد شابه القصور في التسبب و الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن المحكمة لم تفطن إلى أن مغادرة المطعون ضده للبلاد خلال المهلة القانونية المحددة هي تسوية لوضعة على النحو المقرر قانونا، مما يعيب حكمها المطعون فيه ويستوجب نقضه. ومن حيث إن دولة الإمارات العربية المتحدة  حرصا منها على حقوق وحريات الأجانب العاملين على إقليمها نصت في المادة  40 من دستورها على " يتمتع الأجانب في الاتحاد بالحقوق والحريات المقررة في المواثيق الدولة المرعية، أو في المعاهدات والاتفاقيات التي يكون الاتحاد طرفا فيها وعليهم الواجبات المقابلة لها " وكانت الدولة  قد بادرت بالانضمام  إلى الاتفاقية رقم 29 لسنة 1930 المتعلقة بالعمل الجبري أو الإلزامي التي أوجبت المادة الأولى منها التعهد بإلغاء العمل الجبري أو الإلزامي بكافة أشكاله و خطره حظرا تاما في أقرب وقت ممكن والاتفاقية رقم 105 لسنة 1957حول إلغاء العمل الجبري والتي الزمت المادة الثانية منها كل دولة عضو باتخاذ تدابير فعالة لكفالة الإلغاء الفوري للعمل الجبري. لما كان ذلك، وكانت المادة الأولى من القرار الوزاري رقم 354 لسنة 1993 بتنفيذ بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 1973 في شأن الهجرة والإقامة جاء نصها " على جميع الأجانب الذين انتهت خدماتهم قبل صدور هذا القرار في الحكومة الاتحادية أو في الدوائر الحكومية المحلية أو في المؤسسات العامة أو في الهيئات العامة أو الهيئات شبه الحكومية أو القطاع الخاص- بما في ذلك الأفراد- أن يتموا إجراءات نقل إقامتهم إلى الكفيل الجديد خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، وإلا اعتبرت إقامتهم منتهية ويتعين عليهم مغادرة البلاد"  كما نصت المادة الثانية منه على أنه " إذا انقضت مهلة الثلاثة أشهر المشار إليها في المادة السابقة دون تسوية الإقامة طبقاً للقواعد المعمول بها يعتبر الأجنبي مخالفاً لأحكام قانون الهجرة والإقامة المشار إليه والقرارات واللوائح المنفذة له وتطبق عليه الغرامة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 21 من هذا القانون". ونصت أيضاً المادة الخامسة من ذات القرار على أن " كل أجنبي ترك العمل لدى كفيله ولم يقم بتسوية وضعه تطبق عليه الأحكام الواردة في هذا القرار، وتعتبر إقامته ملغية بانقضاء مهلة الثلاثة أشهر المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القرار" وكانت المادة 21 من قانون الجنسية والإقامة رقم 6 لسنة 1973 بعد استبدالها بالمادة الأولى من القانون الاتحادي رقم 13 لسنة  1996  نصت على " كل أجنبي الغي إذن تأشيرة دخوله أو تصريح إقامته أو انتهت إقامته بانتهاء مدة الإذن أو تأشيرة الدخول أو تصريح الإقامة، ولم يبادر بالتجديد - في الحالات التي يجوز فيها ذلك - خلال مهلة لا تجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الانتهاء، أو لم يغادر البلاد خلال هذه المهلة، توقع عليه غرامة آلا تزيد على (100) مائة درهم عن كل يوم يقيم فيه إقامة غير مشروعة بالبلاد اعتبارا من تاريخ انتهاء المهلة. وبالنسبة للمولود الأجنبي تكون المهلة المنصوص عليها في هذه المادة أربعة أشهر من تاريخ الولادة، وبانقضائها دون تثبيت إقامته يلتزم ولي أمره أو الوصي عليه بدفع الغرامة المقررة، ويجوز للوزير أو من يفوضه أن يقرر الإعفاء من كل أو بعض الغرامة المقررة في هذه المادة. وفى حالة عدم دفع الغرامة المقررة يعاقب المخالف بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة التي لا تجاوز أربعة ألاف درهم ويجوز للمحكمة أن تأمر بأبعاده.  " كما تنص المادة  11 من القانون 6 لسنة 1973 على "وإذا كانت التأشيرة للعمل لدى شخص أو مؤسسة فلا يحق لصاحبها أن يعمل لدى غير ذلك الشخص أو في غير المؤسسة إلا بموافقته أو موافقتها الخطية وموافقة الإدارة العامة للجنسية والإقامة على ذلك. كما نصت المادة 11 من القرار رقم 52 لسنة 1989 في شأن تحديد القواعد والإجراءات الواجب اتباعها في أقسام تراخيص العمال بالنسبة لاستقدام العمال غير المواطنين لاستخدامهم في الدولة " على صاحب العمل الذى يستخدم عمالا غير مواطنين أن يبادر بإخطار الوزارة عن كل عامل يترك العمل لديه من تلقاء نفسه أثناء سريان عقد عمله دون سبب قانوني وتقوم الوزارة باتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة في هذا الشأن، كما أن القرار الوزاري رقم 70 لسنة 1992 - في شأن تكليف أصحاب الأعمال وقت قيامهم بالإبلاغ عن هروب عمال بتقديم كفالة مصرفية لتغطية قيمة تذاكر سفر هؤلاء العمال -  نص في مادته الأولى " على صاحب العمل -عند قيامه بإبلاغ  الوزارة عن هروب عامل أو عمال تحت كفالته – تقديم كفالة بنكية غير معلقة على شرط ..... تكون قيمتها كافية لتغطية ثمن تذكرة تسفير العامل أو العمال " وحرصا من الدولة على عدم إجبار شخص على القيام بعمل دون إرادته فرض مشرعها حماية جنائية لصيانة هذه الحرية إذ نص في المادة 347 من قانون العقوبات على" يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز عشرة آلاف درهم أو بأحدي هاتين العقوبتين من أرغم شخصا على العمل بأجر أو بغير أجر لمصلحة خاصة في غير الأحوال التي يجيز فيها القانون. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية و التزام جانب الدقة في ذلك و عدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، و أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيا كان الباعث على ذلك، ولا الخروج على النص متى كان واضحاً جلى المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته لأن البحث في حكمه التشريع و دواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام القانونية مع علتها لا مع حكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه ، وكانت النصوص سالفة البيان واضحة الدلالة على أن للعامل أن يترك عمله متى شاء وان إجباره على الاستمرار في العمل دون أرادته  حتى تسوية وضعه محظورا في تشريعات الدولة بل اكثر من ذلك فإن مغادرته للدولة يجب أن تكون على وجه السرعة؛ حماية له من استغلاله بتشغيله في الخفاء خارج مظلة قانون العمل الذى كفل حقوقه ، وتحصينا له من الانجراف في الأعمال الغير مشروعة تحت نير الحاجة؛ إذ أوجب على الكفيل عند إبلاغه عن هروب مكفوله وضع كفالة مصرفية تحت يد الإدارة تغطى تذاكر سفره حتى لا يكون تدبير قيمتها عائقا عن سرعة سفره، وعلى ذلك فإن مفهوم تسوية وضع العامل الأجنبي الذى ترك العمل لدى كفيله بما يتفق وأحكام هذه النصوص لا يخرج عن حالتين. الأولى: التحاقه بالعمل لدى كفيل آخر وفقا للشروط والأوضاع المقررة بالمادة 11 من القانون 6 لسنة 1973 والثانية: مغادرة البلاد خلال المهلة المنصوص عليها في المادة 21 من القانون آنف الذكر، فإذا تمت تسوية وضعه على أحداهما كانت هي التسوية المقررة قانونا - ومن البداهة أن ذلك لا يمس بحق طرفي عقد العمل في التعويض عن الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه أو الإخلال  بالقواعد العامة للمسئولية المدنية- لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه دان المطعون ضده على تركه العمل لدى كفيله السابق دون تسوية وضعه، مع أن الحالة الثانية من حالتي تسوية وضعه كأجنبي ترك العمل لدى كفيله قد تحققت في شـأنه إذ غـادر البلاد قبل مضى مهلة الثلاثة اشهر المحددة في القرار الوزاري رقم 354 لسنة 1993وقبل إلغاء إقامته تلقائيا طبقا لنص المادة 21 من القانون 6 لسنة 1973 المار ذكرهما، معتنقا مفهوما " لتسوية وضع العامل الأجنبي " يلازمه استمراره في العمل حتى يتم الانتهاء من هذه التسوية وإلا تعرض للعقوبة الجنائية، وهو مفهوم يخالف النصوص القانونية المار ذكرها وفيه إجبار للعامل على الاستمرار في العمل، واجتهاد غير جائز إزاء صراحة النصوص القانونية الواجب تطبيقها وتوسعاً في تفسير القوانين الجنائية؛ و هو ما لا يجوز قانوناً. لما كان ذلك، وكان ما اسند إلى المطعون ضده على السياق المتقدم لا جريمة فيه، فإنه يتعين عملاً بنص المادة 33 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة رقم 4 لسنة 2006 أن تصحح محكمة التمييز الخطأ وتحكم بنقض الحكم المطعون فيه و تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من براءة المطعون ضده. وإذ طابق طعن النيابة العامة هذا النظر فإنه يكون أقيم على سند صحيح من الواقع والقانون.

 

فلهـــــــــذه الأسبـــــــــاب

حكمت المحكمة :

بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم المستأنف
القاضي ببراءة المطعون ضده .