الطعنان رقما 11، 20 لسنة 7 ق جلسة 20 / 5 / 2012 رقم 9
برئاسة السيد القاضي / يحيى جلال فضل رئيس المحكمة وعضوية القاضيين / محمد ناجي دربالة و حسن يوسف بوالروغة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{ 1 } نقض " التقرير بالطعن . ميعاده " .
إيداع صحيفة أسباب الطعن بعد الميعاد . أثره : عدم قبول الطعن شكلاً . أساس ذلك ؟
{ 2 } إعدام . محكمة التمييز " سلطتها " . قانون " تطبيقه " .
الحكم الصادر بالإعدام يعد مطعوناً عليه أمام محكمة التمييز وموقوف تنفيذه بقوة القانون حتى الفصل في الطعن .
رقابة محكمة التمييز لحكم الإعدام شمولها عناصر الحكم موضوعية كانت أو شكلية .
وجوب أن تصحح ما شاب الحكم ولو لم يطعن عليه من المحكوم عليه أو تعرض النيابة رأيها دون التقيد برأيهما إذا ما طعن الأول وأبدت الثانية رأيها .
{ 3 } قتل عمد . جريمة " أركانها " . قصاص . شريعة إسلامية .
القتل فى الشريعة : فعل من العباد تزول به الحياة .
أركان القتل . ثلاث : كون المجنى عليه آدمياً ، وقوعه نتيجة فعل الجانى ، بقصد إحداث القتل .
القتل العمد الموجب للقصاص . شروطه : جان مكلف ومجنى عليه معصوم الدم .
لا قصاص للصبى أو المجنون . أساس ذلك ؟
{ 4 } قتل " تقسيماته " .
تقسيمات القتل عدة. منها ثلاثى قال به معظم الفقهاء وأخذ به المشرع.
ماهيته : عمد وشبه عمد – فى القانون الوضعى الضرب المفضى إلى موت - وخطأ .
{ 5 } جريمة " أركانها " . قتل عمد . قصد جنائى .
القصد الجنائى مناط القصاص في جريمة القتل . ماهيته ؟
إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره .
المعتدى بالإيذاء المؤدى إلى الموت . يعد قاتلاً عمداً إذا قصد إتيان الفعل المؤذى مع قصد إزهاق الروح . مناط الاستدلال على ذلك ؟
{ 6 } قصاص " شروطه " . شريعة إسلامية .
شروط القصاص في الشريعة الإسلامية . ماهيتها ؟
{ 7 } حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . قتل عمد .
مثال لتسبيب سائغ على توافر جريمة القتل العمد الموجب للقصاص وفق رأي جميع المذاهب الفقهية.
{ 8 } قتل عمد . قصد جنائى . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائى " . قصاص " شروطه " .
تدليل الحكم على توافر نية القتل لدى الطاعنة من طعنها المجنى عليها بسكين في مواضع قاتلة بلغت مائة وسبعة عشر طعنة ومواصلتها الاعتداء عقب سقوط الأخيرة . كفايته لتوافر نية القتل .
توافر شروط القصاص . متى طلب أولياء الدم البالغين من ورثة المجنى عليها تطبيق القصاص .
{ 9 } إثبات " خبرة " . مسئولية جنائية .
تحصيل الحكم من تقرير مستشفى الأمراض النفسية أن كل الوظائف العقلية للمتهمة سليمة . كفايته تدليلاً على اطمئنان المحكمة لسلامة المتهمة العقلية والنفسية ومسئوليتها عن أفعالها .
{ 10 } باعث . جريمة " أركانها " قتل عمد . شريعة إسلامية .
الباعث على الجريمة . لا أثر له على مسئولية الجانى أو عقابه في الشريعة الاسلامية .
الباعث على جريمة القتل . لا أثر له على ثبوتها أو نسبتها لفاعلها أو مسئوليته عنها .
{ 11 } إثبات " اعتراف " . شريعة إسلامية . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
اطمئنان المحكمة إلى اعتراف المتهمة وأنه صدر طواعية واختياراً . تعويلها عليه بالإضافة إلى الأدلة الأخرى . يوافق أحكام الشريعة .
{ 12 } أسباب الإباحة وموانع العقاب " الدفاع الشرعى " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حق الدفاع الشرعى شرع لرد العدوان ومنع استمراره .
مثال لتسبيب سائغ لانتفاء حالة الدفاع الشرعى .
{ 13 } إعدام . قتل عمد . حكم " بيانات التسبيب "
الحكم الصادر بالإعدام . ما يلزم من إجراءات وتسبيب لإقراره ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان وكيل الطاعنة في الطعن رقم 20 لسنة 7 ق ( 2012 ) أودع صحيفة الطعن قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 11 / 3 / 2012 ، و كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 27/ 12 / 2011 ، و كانت المادة 28 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 قد جرت على أن الطعن يحصل بصحيفة تشتمل على أسباب الطعن تودع قلم كتاب محكمة التمييز في ظرف ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الحكم ، فإن الطعن يكون قد حصل بعد فوات الميعاد القانوني المنصوص عليه في تلك المادة ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبوله شكلاً.
2- من المقرر وفق نص المادة 38 / 1 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 أن الحكم الصادر بعقوبة الإعدام ــ و من ذلك القضاء بالقتل قصاصاً ـــ يعتبر مطعوناً فيه أمام محكمة التمييز وموقوفاً تنفيذه حتى الفصل في الطعن مهما كان سببه و القانون الذي صدر في ظله و ذلك بقوة القانون فتبسط محكمة التمييز رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية و شكلية و تقضى من تلقاء نفسها بتصحيح ما اعتوره من خطأ في تطبيق القانون أو تأويله ، أو ما شابه من قصور في التسبيب ، أو فساد في الاستدلال أو إخلال بحق الدفاع ، و لو لم يكن مطعوناً فيه من المحكوم عليه أو من النيابة العامة ، غير مقيده في ذلك بأوجه الطعن المقدمة منهما إن وجدت أو ما تضمنته مذكرة النيابة من رأي . و حيث إن طعن النيابة العامة قد قام على سند من حكم المادة 38/1 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 ، مستوفيا الشكل المقرر في القانون رامياً إلى تأييد الحكم الصادر بقتل المطعون ضدها قصاصاً .
3- القتل في الشريعة يُعرف بأنه فعل من العباد تزول به الحياة أي أنه إزهاق روح آدمي بفعل آدمي آخر و أركانه ثلاثة : أولها : أن يكون المجني عليه آدمياً حياً ، ثانيها : أن يكون القتل نتيجة لفعل الجاني ، ثالثها : أن يقصد الجاني إحداث الوفاة ، فللقتل العمد العدوان الموجب للقصاص شروط وجوب أولها : جان ، وشرطه : أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً فإن كان صبياً أو مجنوناً فلا قصاص لعدم التكليف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاث : الصبي حتى يبلغ ، و المجنون حتى يفيق ، والنائم حتى يستيقظ " ثانيها : مجني عليه : و شرطه : أن يكون معصوم الدم فإن كان زانياً محصناً ، أو قاتلاً فلا قصاص إذ هؤلاء دمهم هُدر لجريمتهم وثالثها : أن يكافئ المقتول القاتل ، و رابعها : ألا يكون القاتل والداً للمقتول : أباً أو أماً أو جداً لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقتل ولد بولده " .
4- للقتل تقسيمات عده فمنها التقسيم الثلاثي ـــ الذي أخذ به المشرع ـــ وهو ما قال به معظم الفقهاء وفيهم الأئمة أصحاب المذاهب الثلاث ـــ ابن حنبل و الشافعي و أبو حنيفة من أن القتل ثلاثة أقسام ( ا ) عمد : و هو ما تعمد فيه الجاني الفعل المزهق قاصداً إزهاق روح المجني عليه ( ب ) شبه العمد : وهو ما تعمد فيه الجاني الاعتداء على المجني عليه دون أن يقصد قتله إذا مات المجني عليه نتيجة للاعتداء وهو ما يسمى في القوانين الوضعية " الاعتداء المفضي إلى الموت " ( ج ) قتل خطأ .
5- القصد الجنائي هو أمر نفسي خفي ، لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، إلا أنه يمكن أن يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى ، والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني ،و تنم عما يضمر في نفسه، ومن ثم يكون تحققه في جريمة القتل ـــ حتى يُوصف بأنه قتل عمد ـــ يظهر أول ما يظهر في انصراف نيته إلى إزهاق روح المقتول ، والمتحصل من أقوال فقهاء المذاهب أن المعتدي بالإيذاء المؤدي إلى الموت يعتبر قاتلاً عمداً إذا اجتمع لديه أمران : تعمد الاتيان بالفعل المؤذي الضار مع قصد الوصول إلى إزهاق الروح و يستدل على ذلك بالآلة التي استعملت في الإيذاء و الكيفية التي تم بها ، فإذا صدر فعل الإيذاء بآلة من شأنها إزهاق الروح وبكيفية تؤدي إلى ذلك أُعتبر الفاعل قاتلاً عمداً باتفاق جميع المذاهب الفقهية .
6- للقصاص في الشريعة الإسلامية شروط هي أن، يكون صاحب الحق مكلفاً ، و أن يتفق أولياء الدم على القصاص فإن عفا بعضهم فلا قصاص ، ومن لم يعف فله قسطه من الدية ، و أن يُؤمن في حال الاستيفاء بألا يتعدى الجرح مثله ، و ألا يُقتل غير القاتل ، و ألا تُقتل امرأة في بطنها جنين حتى تضع و تفطم ولدها و ذلك في حضور سلطان أو نائبه و أن يكون بآلة حادة كالسيف أو بأداة أسرع من السيف كالمقصلة و الكرسي الكهربائي ، وغيرهما مما يفضي إلى الموت بسرعة ولا يترتب عليه تمثيل بالقاتل .
7- لما كان حكم محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه و المكمل بالحكم الاستئنافي قد أقام قضاءه على ما أورده بأسبابه من أن المجني عليها وقد عنفت المحكوم عليها ـــ في اليوم السابق على الجريمة ـــ لتركها صغيرتها تتشاجر مع أطفال صديقتها أثناء زيارتها للأخيرة وهددتها بإنهاء عملها لديها و إعادتها لمكتب التشغيل ، أضمرت في نفسها تخوفاً من أن تُوقع تهديدها ، و أنه في صباح اليوم التالي و إثر معاودة المجني عليها تقريعها و دفعها لها بمؤخرة رأسها ، استدارت إليها طاعنة إياها بالسكين التي كانت تعد بها الطعام ، وأنه حال مقاومة المجني عليها لها و محاولتها انتزاع السكين من يدها قامت بدفعها و إسقاطها أرضاً و كالت لها طعنات عديدة ، بلغت - وفق تقرير الصفة التشريحية للمجني عليها - مائة و سبعة عشر طعنة أدت لإصابتها بجروح متهتكة و غائرة بالعنق و الصدر و البطن ومن بينها طعنات كالتها لها بعد الوفاة و الظهر أدت إلى تهتك الرئة و الكبد و أوعية العنق الدموية ، بما أفضى إلى الوفاة ، ثم قامت بإشعال النار بالمسكن بغية إخفاء ماديات الجريمة ، بما أدى لوفاة ابنة المجني عليها - التي كانت نائمة بغرفتها - اختناقاً من جراء الحريق وأنها بادرت بمغادرة مكان الجريمة بعد أن استولت على مشغولات ذهبية ومبالغ مالية كانت بحقيبة المجني عليها ــــ و التي ضبطت معها عند القبض عليها ــــ و قد أقامت الدليل الشرعي على صحة الواقعة بالتصوير المتقدم و اسنادها للمحكوم عليها من إقرارها أمام النيابة العامة ومحكمة أول وثاني درجة ، و أقوال ضابط قسم التحريات النقيب ..... وزوج المجني عليها .... وما أورده تقرير الصفة التشريحية للمجني عليهما ، وما أورده تقرير المختبر الجنائي في خصوص الحريق ، وهي أدلة سائغة وكافية للتدليل على توافر جريمة القتل العمد العدوان الموجب للقصاص وفق رأي جميع المذاهب الفقهية ، وسلامة إسنادها للجانية .
8- لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً وواضحاً على توافر نية القتل في حق المحكوم عليها بما أورده بمدوناته من قيامها ـــ و قد امتلأت نفسها غيظاً من تهديدها إياها بإنهاء خدماتها لديها و إساءة معاملتها ـــ بطعنها بسكين كانت بيدها طعنات بلغت مائة و سبعة عشر طعنة أدت إلى إصابتها في العنق والصدر والظهر والبطن وجميعها مواضع قاتلة بجسد المجني عليها ، حتى سقطت أرضاً ورغم ذلك لم ترعوى وتتوقف عن الاعتداء بل واصلت الاعتداء عليها طعناً وفق ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية والذي حصله الحكم بما مجمله أن الطعنات أصابتها بتهتك في الرئتين والأوعية الدموية بالعنق والصدر والظهر والبطن باستعمال السكين المضبوط الذي تعرفت عليه المحكوم عليها ودلت على أنه المستخدم في الاعتداء، فإن ما تمسكت به المحكوم عليها من أنها لم تقصد إلى قتل المجني عليها بل قصدت إصابتها فحسب يكون لا محل له . كما دلل على توافر شروط استيفاء القصاص بما أورده من طلب أولياء الدم البالغين من ورثة المجني عليها ــ زوج المجني عليها ..... و وكيله والدة المجني عليها ـــ تطبيق عقوبة القصاص أمام محكمتي أول وثاني درجة و أمام هذه المحكمة .
9- لما كانت محكمة الاستئناف قد عرضت المحكوم عليها على قسم الأمراض النفسية بمستشفى سيف لبيان مدى مسئوليتها عن الجريمة المسندة إليها ، فانتهى التقرير إلى أن كل الوظائف العقلية للمحكوم عليها سليمة تماماً ، وأن تخطيط الدماغ والتصوير المقطعي لم يظهرا أي علامات غير طبيعية ، وأن ذكائها وإن كان متدن إلا أنها لا تعاني من تخلف عقلي ، وكانت محكمة الاستئناف قد أوردت مضمون هذا التقرير للتدليل على مسئولية المتهمة عن أفعالها ، فإن ذلك يكون كافياً للتدليل على اطمئنان المحكمة لسلامة المتهمة من الناحيتين العقلية والنفسية ومسئوليتها عن أفعالها وللرد على هذا الوجه من أوجه الدفاع .
10- من المقرر شرعاً أنه ليس للبواعث التي دفعت الجاني لارتكاب جريمة أثر على مسئوليته ولا على عقوبته في الشريعة سواء أكان الباعث شريفاً أو غير شريف ، كما أنه لا تأثير للبواعث على ثبوت جريمة القتل أو نسبتها لفاعلها أو مسئوليته الجنائية .
11- لما كانت الجانية قد أقرت بقتلها المجني عليهما أمام النيابة العامة وأمام محكمتي أول وثاني درجة و أمام هذه المحكمة إقراراً بيناً مفصلاً قاطعاً في ارتكابها الجناية المسندة إليها ، مبيناً ظروف القتل وسببه وباعثها عليه و الأداة التي استخدمتها فيه و وقائع تعديها على المجني عليها وتعمدها قتلها ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم الاستئنافي قد اطمأن إلى أن ذلك الاعتراف قد صدر عن الجانية طواعية واختياراً بغير إكراه ، فإن تعويله عليه كحجة في حق المعترف وكدليل في إثبات الجريمة قبله بالإضافة إلى شهادة الشهود والتقارير الفنية يكون سديداً موافقاً لأحكام الشريعة الغراء .
12- لما كان الحكم قد عرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي واطرحه سائغاً استناداً إلى أن المحكوم عليها لم تكن في حالة دفاع شرعي عن النفس أو عن الغير بل كانت متعديه على المجني عليها بالطعن بآله حادة ( سكين ) بمواضع قاتلة في جسدها وبما يزيد عن المائة طعنه ، وبما يجاوز حدود الاعتداء بالضرب باليد الذي نسبته للمجني عليها ـــ على فرض صحته ـــ إلى حد الانتقام منها ، وكان من المقرر أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه ، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد .
13- لما كان المحامي الذي نُدب للدفاع عن المتهم قد شهد إجراءات المحاكمة ، وقدم دفاعه شفاهة وفي مذكرات مكتوبة حسبما أوحى به ضميره واجتهاده ووفقاً لتقاليد مهنته ، فإن هذا إنما يتحقق به ما نصت عليه المادة 28 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة والمادة 4 /1 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية والمادة 38 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 التي توجب أن يكون لكل متهم في جناية مُعاقب عليها بالإعدام محام للدفاع عنه في مرحلة المحاكمة ليحظى المتهم بدفاع جدي ، وكان الحكم قد صدر من محكمة أول درجة وتأيد استئنافياً بإجماع أراء أعضاء المحكمتين وفق الثابت بمنطوق الحكمين ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم المادة 218 من قانون الإجراءات الجزائية التي توجب أن تصدر أحكام الإعدام بإجماع الآراء . لما كان ذلك ، فإن الحكم المعروض والصادر بالقتل قصاصاً قد وافق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون وجاء خلواً من مخالفتهما أو الخطأ في تطبيق أحكامهما ، أو تأويلها ، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون لها ولاية الفصل في الدعوى وبإجراءات محاكمة صحيحة لا يعتورها بطلان ، ولم يصدر بعدة قانون يسري على واقعتها يصح أن تستفيد منه المحكوم عليها طبقاً لما نصت عليه المادة 13 من قانون العقوبات الاتحادي ، كما صمم أولياء الدم على القصاص أمام هذه
المحكمة ، فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بالقتل قصاصاً قِبلَ المحكوم عليها ..... .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الـــوقـــائــــــــع
اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها قتلت عمداً المجنى عليها ..... بأن كالت لها بسكين كانت بيدها طعنات قاتله متفرقة بجسدها بقصد إزهاق روحها ، فأحدثت بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية و التي أودت بحياتها على النحو المبين بالتحقيقات ، واقترنت هذه الجناية بجناية سرقتها للمشغولات الذهبية و الهاتف المحمول و المبالغ المالية المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمملوكة للمجني عليها سالفة الذكر حال كونها خادمتها ، ثم اقترفت جناية إضرامها النار عمداً في سكن المجني عليها بقصد إخفاء أثر جريمتها مما نجم عنه وفاة المجني عليها الثانية ....... على النحو المبين بتقرير الصفة التشريحية ، وطلبت النيابة العامة عقابها طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء و المواد 121/1 و 304 و 308/1 و 331 و 332/2 و 388/2 من قانون العقوبات الاتحادي .
ومحكمة جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهمة بالقتل قصاصاً جزاء ما أسند إليها من قتل المجني عليها ..... ، وذلك رمياً بالرصاص ، وأمرت بمصادرة السكين المضبوط .
ــ عُرض الحكم على محكمة الاستئناف باعتباره مستأنف بحكم القانون طبقاً للمادة 230 من قانون الإجراءات الجزائية و محكمة استئناف جنايات رأس الخيمة قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً ، و في الموضوع وبإجماع الآراء بتأييد الحكم المستأنف .
عُرض الحكم على محكمة التمييز باعتباره مطعوناً فيه بالنقض بحـكم القانون طبقاً للمادتين 253 من قانون الإجراءات الجزائية و 38 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006.
فطعنت النيابة العامة والمحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض ........إلخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكــــــــمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه القاضي / محمد ناجي دربالة ، وبعد المداولة .
حيث إنه لما كان وكيل الطاعنة في الطعن رقم 20 لسنة 7 ق ( 2012 ) أودع صحيفة الطعن قلم كتاب محكمة التمييز بتاريخ 11 / 3 / 2012 ، و كان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 27/ 12 / 2011 ، و كانت المادة 28 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 قد جرت على أن الطعن يحصل بصحيفة تشتمل على أسباب الطعن تودع قلم كتاب محكمة التمييز في ظرف ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الحكم ، فإن الطعن يكون قد حصل بعد فوات الميعاد القانوني المنصوص عليه في تلك المادة ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبوله شكلاً.
و حيث إنه من المقرر وفق نص المادة 38 / 1 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 أن الحكم الصادر بعقوبة الإعدام ــ و من ذلك القضاء بالقتل قصاصاً ـــ يعتبر مطعوناً فيه أمام محكمة التمييز وموقوفاً تنفيذه حتى الفصل في الطعن مهما كان سببه و القانون الذي صدر في ظله و ذلك بقوة القانون فتبسط محكمة التمييز رقابتها على عناصر الحكم كافة موضوعية و شكلية و تقضى من تلقاء نفسها بتصحيح ما اعتوره من خطأ في تطبيق القانون أو تأويله ، أو ما شابه من قصور في التسبيب ، أو فساد في الاستدلال أو إخلال بحق الدفاع ، و لو لم يكن مطعوناً فيه من المحكوم عليه أو من النيابة العامة ، غير مقيده في ذلك بأوجه الطعن المقدمة منهما إن وجدت أو ما تضمنته مذكرة النيابة من رأي .
و حيث إن طعن النيابة العامة قد قام على سند من حكم المادة 38/1 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 ، مستوفيا الشكل المقرر في القانون رامياً إلى تأييد الحكم الصادر بقتل المطعون ضدها قصاصاً .
و من حيث إن القتل في الشريعة يُعرف بأنه فعل من العباد تزول به الحياة أي أنه إزهاق روح آدمي بفعل آدمي آخر و أركانه ثلاثة : أولها : أن يكون المجني عليه آدمياً حياً ، ثانيها : أن يكون القتل نتيجة لفعل الجاني ، ثالثها : أن يقصد الجاني إحداث الوفاة ، فللقتل العمد العدوان الموجب للقصاص شروط وجوب أولها : جان ، و شرطه : أن يكون مكلفاً أي بالغاً عاقلاً فإن كان صبياً أو مجنوناً فلا قصاص لعدم التكليف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاث : الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ، و النائم حتى يستيقظ " ثانيها : مجني عليه : و شرطه : أن يكون معصوم الدم فإن كان زانياً محصناً ، أو قاتلاً فلا قصاص إذ هؤلاء دمهم هُدر لجريمتهم وثالثها : أن يكافئ المقتول القاتل ، و رابعها : ألا يكون القاتل والداً للمقتول : أباً أو أماً أو جداً لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقتل ولد بولده " و للقتل تقسيمات عده فمنها التقسيم الثلاثي ـــ الذي أخذ به المشرع ـــ وهو ما قال به معظم الفقهاء وفيهم الأئمة أصحاب المذاهب الثلاث ـــ ابن حنبل و الشافعي و أبو حنيفة من أن القتل ثلاثة أقسام ( ا ) عمد : و هو ما تعمد فيه الجاني الفعل المزهق قاصداً إزهاق روح المجني عليه ( ب ) شبه العمد : وهو ما تعمد فيه الجاني الاعتداء على المجني عليه دون أن يقصد قتله إذا مات المجني عليه نتيجة للاعتداء وهو ما يسمى في القوانين الوضعية " الاعتداء المفضي إلى الموت " ( ج ) قتل خطأ ، وكان القصد الجنائي هو أمر نفسي خفي ، لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، إلا أنه يمكن أن يُدرك بالظروف المحيطة بالدعوى ، والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني ،و تنم عما يضمر في نفسه، ومن ثم يكون تحققه في جريمة القتل ـــ حتى يُوصف بأنه قتل عمد ـــ يظهر أول ما يظهر في انصراف نيته إلى إزهاق روح المقتول ، والمتحصل من أقوال فقهاء المذاهب أن المعتدي بالإيذاء المؤدي إلى الموت يعتبر قاتلاً عمداً إذا اجتمع لديه أمران : تعمد الاتيان بالفعل المؤذي الضار مع قصد الوصول إلى إزهاق الروح و يستدل على ذلك بالآلة التي استعملت في الإيذاء و الكيفية التي تم بها ، فإذا صدر فعل الإيذاء بآلة من شأنها إزهاق الروح وبكيفية تؤدي إلى ذلك أُعتبر الفاعل قاتلاً عمداً باتفاق جميع المذاهب الفقهية ، لما كان ذلك ، وكان للقصاص في الشريعة الإسلامية شروط هي أن، يكون صاحب الحق مكلفاً ، وأن يتفق أولياء الدم على القصاص فإن عفا بعضهم فلا قصاص ، ومن لم يعف فله قسطه من الدية ، وأن يُؤمن في حال الاستيفاء بألا يتعدى الجرح مثله ، و ألا يُقتل غير القاتل ، و ألا تُقتل امرأة في بطنها جنين حتى تضع و تفطم ولدها و ذلك في حضور سلطان أو نائبه و أن يكون بآلة حادة كالسيف أو بأداة أسرع من السيف كالمقصلة والكرسي الكهربائي ، وغيرهما مما يفضي إلى الموت بسرعة ولا يترتب عليه تمثيل بالقاتل .
لما كان ذلك وكان حكم محكمة أول درجة المؤيد لأسبابه و المكمل بالحكم الاستئنافي قد أقام قضاءه على ما أوردهبأسبابه من أن المجني عليها وقد عنفت المحكوم عليها ـــ في اليوم السابق على الجريمة ـــ لتركها صغيرتها تتشاجر مع أطفال صديقتها أثناء زيارتها للأخيرة وهددتها بإنهاء عملها لديها و إعادتها لمكتب التشغيل ، أضمرت في نفسها تخوفاً من أن تُوقع تهديدها ، وأنه في صباح اليوم التالي و إثر معاودة المجني عليها تقريعها و دفعها لها بمؤخرة رأسها ، استدارت إليها طاعنة إياها بالسكين التي كانت تعد بها الطعام ، و أنه حال مقاومة المجني عليها لها و محاولتها انتزاع السكين من يدها قامت بدفعها و إسقاطها أرضاً و كالت لها طعنات عديدة ، بلغت - وفق تقرير الصفة التشريحية للمجني عليها - مائة و سبعة عشر طعنة أدت لإصابتها بجروح متهتكة وغائرة بالعنق والصدر و البطن ومن بينها طعنات كالتها لها بعد الوفاة والظهر أدت إلى تهتك الرئة والكبد وأوعية العنق الدموية ، بما أفضى إلى الوفاة ، ثم قامت بإشعال النار بالمسكن بغية إخفاء ماديات الجريمة ، بما أدى لوفاة ابنة المجني عليها - التي كانت نائمة بغرفتها - اختناقاً من جراء الحريق وأنها بادرت بمغادرة مكان الجريمة بعد أن استولت على مشغولات ذهبية ومبالغ مالية كانت بحقيبة المجني عليها ــــ والتي ضبطت معها عند القبض عليها ــــ و قد أقامت الدليل الشرعي على صحة الواقعة بالتصوير المتقدم واسنادها للمحكوم عليها من إقرارها أمام النيابة العامة ومحكمة أول وثاني درجة ، وأقوال ضابط قسم التحريات النقيب ..... وزوج المجني عليها ..... وما أورده تقرير الصفة التشريحية للمجني عليهما ، وما أورده تقرير المختبر الجنائي في خصوص الحريق ، وهي أدلة سائغة وكافية للتدليل على توافر جريمة القتل العمد العدوان الموجب للقصاص وفق رأي جميع المذاهب الفقهية ، وسلامة إسنادها للجانية . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً وواضحاً على توافر نية القتل في حق المحكوم عليها بما أورده بمدوناته من قيامها ـــ و قد امتلأت نفسها غيظاً من تهديدها إياها بإنهاء خدماتها لديها و إساءة معاملتها ـــ بطعنها بسكين كانت بيدها طعنات بلغت مائة و سبعة عشر طعنة أدت إلى إصابتها في العنق والصدر والظهر والبطن وجميعها مواضع قاتلة بجسد المجني عليها ، حتى سقطت أرضاً ورغم ذلك لم ترعوى وتتوقف عن الاعتداء بل واصلت الاعتداء عليها طعناً وفق ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية والذي حصله الحكم بما مجمله أن الطعنات أصابتها بتهتك في الرئتين والأوعية الدموية بالعنق والصدر والظهر والبطن باستعمال السكين المضبوط الذي تعرفت عليه المحكوم عليها ودلت على أنه المستخدم في الاعتداء، فإن ما تمسكت به المحكوم عليها من أنها لم تقصد إلى قتل المجني عليها بل قصدت إصابتها فحسب يكون لا محل له . كما دلل على توافر شروط استيفاء القصاص بما أورده من طلب أولياء الدم البالغين من ورثة المجني عليها ــ زوج المجني عليها ..... و وكيله والدة المجني عليها ـــ تطبيق عقوبة القصاص أمام محكمتي أول وثاني درجة و أمام هذه المحكمة . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الاستئناف قد عرضت المحكوم عليها على قسم الأمراض النفسية بمستشفى سيف لبيان مدى مسئوليتها عن الجريمة المسندة إليها ، فانتهى التقرير إلى أن كل الوظائف العقلية للمحكوم عليها سليمة تماماً ، وأن تخطيط الدماغ والتصوير المقطعي لم يظهرا أي علامات غير طبيعية ، وأن ذكائها وإن كان متدن إلا أنها لا تعاني من تخلف عقلي ، وكانت محكمة الاستئناف قد أوردت مضمون هذا التقرير للتدليل على مسئولية المتهمة عن أفعالها ، فإن ذلك يكون كافياً للتدليل على اطمئنان المحكمة لسلامة المتهمة من الناحيتين العقلية والنفسية ومسئوليتها عن أفعالها وللرد على هذا الوجه من أوجه الدفاع . لما كان ذلك ، وكان من المقرر شرعاً أنه ليس للبواعث التي دفعت الجاني لارتكاب جريمة أثر على مسئوليته ولا على عقوبته في الشريعة سواء أكان الباعث شريفاً أو غير شريف ، كما أنه لا تأثير للبواعث على ثبوت جريمة القتل أو نسبتها لفاعلها أو مسئوليته الجنائية . لما كان ذلك ، وكانت الجانية قد أقرت بقتلها المجني عليهما أمام النيابة العامة وأمام محكمتي أول وثاني درجة و أمام هذه المحكمة إقراراً بيناً مفصلاً قاطعاً في ارتكابها الجناية المسندة إليها ، مبيناً ظروف القتل وسببه وباعثها عليه و الأداة التي استخدمتها فيه و وقائع تعديها على المجني عليها وتعمدها قتلها ، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم الاستئنافي قد اطمأن إلى أن ذلك الاعتراف قد صدر عن الجانية طواعية واختياراً بغير إكراه ، فإن تعويله عليه كحجة في حق المعترف وكدليل في إثبات الجريمة قبله بالإضافة إلى شهادة الشهود والتقارير الفنية يكون سديداً موافقاً لأحكام الشريعة الغراء .
ومن حيث أن الحكم قد عرض للدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي واطرحه سائغاً استناداً إلى أن المحكوم عليها لم تكن في حالة دفاع شرعي عن النفس أو عن الغير بل كانت متعديه على المجني عليها بالطعن بآله حادة ( سكين ) بمواضع قاتلة في جسدها وبما يزيد عن المائة طعنه ، وبما يجاوز حدود الاعتداء بالضرب باليد الذي نسبته للمجني عليها ـــ على فرض صحته ـــ إلى حد الانتقام منها ، وكان من المقرر أن حق الدفاع الشرعي لم يشرعإلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه ، فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد . لما كان ذلك ، وكان المحامي الذي نُدب للدفاع عن المتهم قد شهد إجراءات المحاكمة ، وقدم دفاعه شفاهة وفي مذكرات مكتوبة حسبما أوحى به ضميره واجتهاده ووفقاً لتقاليد مهنته ، فإن هذا إنما يتحقق به ما نصت عليه المادة 28 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة والمادة 4/ 1 من القانون رقم 35 لسنة 1992 بإصدار قانون الإجراءات الجزائية والمادة 38 من قانون محكمة تمييز رأس الخيمة لسنة 2006 التي توجب أن يكون لكل متهم في جناية مُعاقب عليها بالإعدام محام للدفاع عنه في مرحلة المحاكمة ليحظى المتهم بدفاع جدي ، وكان الحكم قد صدر من محكمة أول درجة وتأيد استئنافياً بإجماع أراء أعضاء المحكمتين وفق الثابت بمنطوق الحكمين ، فإن ذلك يكون محققاً لحكم المادة 218 من قانون الإجراءات الجزائية التي توجب أن تصدر أحكام الإعدام بإجماع الآراء . لما كان ذلك فإن الحكم المعروض والصادر بالقتل قصاصاً قد وافق أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والقانون وجاء خلواً من مخالفتهما أو الخطأ في تطبيق أحكامهما ، أو تأويلها ، وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون لها ولاية الفصل في الدعوى وبإجراءات محاكمة صحيحة لا يعتورها بطلان ، ولم يصدر بعدة قانون يسري على واقعتها يصح أن تستفيد منه المحكوم عليها طبقاً لمانصت عليه المادة 13 من قانون العقوبات الاتحادي ، كما صمم أولياء الدم على القصاص أمام هذه المحكمة ، فإنه يتعين إقرار الحكم الصادر بالقتل قصاصاً قِبلَ المحكوم عليها ..... .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ